من المستغرب أنّ أجساد الروبوتات لم يطرأ عليها أي تغيير يذكر قياساً بالوَثَبات النوعية في إمكانياتها منذ نشأتها. هي حتى الآن تتكوّن من قطع صلبة تشكّل أعضاءَها. حتى تلك الإمكانيات الهائلة لازالت أكثر فعاليّة في بيئات منظمة، مدروسة ومحكمة. فأعضاء الروبوت ومفاصله اليابسة لن تسمحَ له بالتكيّف مع أي خروج عن المألوف، بل وقد يصبح مصدراً للخطر.
وهذا ما دفع العلماء في السنوات الأخيرة لتطوير ما يعرف بـ "الروبوتات الليّنة". تمتاز هذه الروبوتات بأنها تتكون من أجسام مرنة قادرة على التشكّل والتّمدّد للقيام بحركات حرة وتحمّل الصدمات دون أن يؤثر ذلك على ليونتها وكفاءتها. بهذا تكون قد اقتربت الروبوتات من محاكاة الحركة الطبيعية والديناميكية للكائنات الحيّة.
قام العلماء باختراع "مشغّلات ليّنة" مستلهمة من طبيعة عمل العضلات، فهي تتمدد أو تتقلص استجابة لوجود أو عدم وجود إشارات كهربائية. نعم! هناك بالفعل مواد لها تلك الخصائص، كأنواع معيّنة من البلاستيك (البوليمرات) والسبائك ذات الذاكرة الشكلية. لكن تلك المواد تتطلب جهداً كهربائياً عالياً أو عناصر إضافية للتحكّم بحركتها بالشّكل المطلوب. على أثَر ذلك فكَّر بعض العلماء في جامعة كولومبيا بالولايات المتحدة بدمج أغشية من السيليكون المطاط مع الكحول الإثيلي (إثانول) الذي يكوّن مايكرو-مسامات أو مايكرو-فقاعات في السيليكون عند خلطه. والنتيجة هي مركّب جديد قابل للتمدّد حتى 900% من حجمه الأصلي، وقادر على تحمّل ضغط عالٍ. هذه الخصائص مبنية على قدرة الكحول على التمدد داخل الفقاعات عند تحوله إلى غاز وقت الغليان، وبهذا تتم السيطرة على شكل المركّب.
تتميز المادة التي طوّرها فريق البحث برخصها وسهولة تصنيعها، إضافةً إلى أنها صديقة للبيئة. فبفضل قدرة التحكم بحركتها (تسخين الكحول) عن طريق الإشارات الكهربائية ذات الجهد والتيّار المنخفض، يمكنها الحركة كالعضلات ورفع أجسام تزن أضعاف وزنها. بل بإمكانها أن تحلَّ مكان المحركات الكهربائية التي تتحكم بالروبوتات.
وجد العلماء أنّ هذه المادة المطوَّرة قادرة على حمل أكثر من 1700 ضعف وزنها دون أن يؤثّر ذلك على مرونتها حتى بعد العديد من المحاولات. وهذا ما شجّع فريق البحث على إدخالها في صناعة أجزاء من الروبوتات كالعضلات الصّناعية وإثبات قدرتها على العمل كعضلات الساعد لثني كتف صناعي. كما تمّت تجربتها أيضاً في صناعة الأيدي الصناعية لالتقاط الأجسام الصغيرة. بالإضافة لمدى قدرة تحمّل هذه المادة، فإن أكثر ما يميّز المشغّلات الليّنة المصنوعة منها سهولة التحكم بها عبر أسلاك دقيقة، دون الاستعانة بأجهزة أخرى للتحكّم بالضغط، مثلاً، كما هو الحال في الأطراف المصنّعة من مواد أخرى.
بالرغم من امتيازات هذه المشغّلات الليّنة، إلا أن أبرز عيوبها تكمن في مدى كفاءتها حيث أن كفاءة المشغّلات التي تمت تجربتها لا تتعدى الـ 0.3%. وذلك لأن الكفاءة تعتمد على معدّل أو سرعة التبريد أو التسخين اللذَين يعتمدان بشكل كبير على تصميم المشغّلات، بالإضافة إلى عدد ونوعية الأسلاك الداخلة في صناعتها. يقوم فريق البحث حالياً بدراسة طُرُق مختلفة لرفع كفاءة هذه المشغّلات لما أظهرته من مميزات مختلفة كالتي تم ذكرها مسبقاً في هذا المقال.