تُعد إسبانيا من أكثر الدول الأوروبية تأثرًا بجائحة الكورونا، حيث بَلغت حصيلة الإصابات المُعلنة بهذا المرض نحو (٢٤٩,٠٠٠) فردٍ. إلا أن هذا المُعدل وبرغم ارتفاعه لا يُمثل عدد الإصابات الفعلية؛ وذلك لإصابة العديد من الأفراد دون ظهور أيّ من أعراض المرض عليهم. وعليه، فقد تعاونت وزارة الصحة بإسبانيا مع معهد كارلوس الثالث على إقامة مشروع للكشف عن وجود الأجسام المضادة لفيروس الكورونا؛ والذي تضمّن في مرحلته الأولي دراسة مسحية شاملة، بالاعتماد على عينات دمٍ عشوائيةٍ من خلال (٦١,٠٠٠) مشاركٍ من سكان المقاطعات بمختلف الفئات العمرية. وقد هدفت عملية المسح إلى تحديد نسبة السكان الذين ما يزالون عرضة للعدوى لعدم تعرضهم للفيروس مسبقًا، وكذلك نسبة السكان الذين أصيبوا بالفعل بفيروس الكورونا، وبالتالي يتمتعون بمناعة شاملةٍ أو جزئيةٍ (حيث لا تزال طبيعة الاستجابة المناعية للفيروس تحت الدراسة).
تضمنت الدراسة اختبارات معملية بالاعتماد على اختبار الفحص المناعي (Immunoassay)، مع وجود استبيانٍ يشتمل على تاريخ ظهور الأعراض المتعلقة بالمرض، والتواصل مع الحالات المصابة، وأي عوامل خطرٍ أُخرى. وقد أوضحت الدراسة أن معدل الانتشار المصليّ (Seroprevalence) قد بلغ نحو (٥٪) من السكان على مستوى الدولة بأكملها، فيما تباين الانتشار بين المقاطعات؛ حيث كان الانتشار الأكبر من نصيب مقاطعة مدريد بنحو (١٠٪) من السكان، فيما كان الانتشار محدودًا في المدن الساحلية عدا برشلونة والتي سجّلت نسبة (٥٪) . ومن الجدير بالذكر أن الدراسة قد أظهرت عدم تأثير نوع الجنس على معدلات الانتشار المصليّ، بينما كان العمر من العوامل المؤثرة على ذلك؛ حيث كان الانتشار واضحًا بين الفئات العمرية الكبيرة دون الأطفال والمراهقين. وعلاوة على ذلك، فقد وُجد أن الانتشار المصليّ بين العاملين بالقطاعات الصحية كبيرًا مقارنةً بمعدل انتشاره بين العاملين بالقطاعات الأخرى.
واعتمادًا على البيانات التي تم الحصول عليها من الدراسة، فمن المُقدر أن يتراوح عدد المصابين دون ظهور الأعراض عليهم ولم يتم الكشف عنهم، ما بين (٣٧٦,٠٠٠) و (١,٠٤٢,٠٠٠) إسبانيّ (من غير المنتمين لمؤسساتٍ كالمستشفيات، والسجون، والأديرة، وغيرها). وقد بلغت نسبة الانتشار المصليّ نحو (١٦,٩٪) لدى الأفراد الذين ظهرت عليهم أعراضٌ مماثلةٌ لأعراض الكورونا، بينما كانت نسبة الانتشار المصليّ نحو (٩٠٪) في المجموعة التي أظهرت نتائجًا إيجابيةً في اختبار المسحة عبر (PCR)، والتي أُجريت قبل أسبوعين من بدء هذه الدراسة.
وقد انتهت الدراسة إلى التأكيد على أهم العوامل المسببة لزيادة معدلات الانتشار لفيروس الكورونا، وعلى رأسها وجود فردٍ مصابٍ مقيم مع آخرين داخل الوحدة السكنية، ثم التواصل مع أفرادٍ مصابين غير مقيمين بنفس المكان. ولذلك أوصت الدراسة بضرورة الحفاظ على التباعد الاجتماعيّ حتى بين أفراد المنزل الواحد؛ للحد من انتشار فيروس الكورونا.