علم البصريات الوراثي: المُستقبل الواعد في مجال علم الأعصاب
١٧ يوليو ٢٠٢١

إذا بحثت عن كارل دايسروس Karl Deisseroth عبر محرك البحث جوجل، سيظهر لك ترشيحًا تلقائيًّا للبحث باسم هذا العالم بجانب جائزة نوبل. فماذا فعل هذا العالم بالمشاركة مع بعض العلماء الآخرين، أمثال: بيتر هيجمن Peter Hegemann، وايد بويدن Ed Boyden- حتي يُجمع الوسط العلمي على أن حصوله/حصولهم على جائزة نوبل هي مسألة وقت فقط؟ تكمن الإجابة في علم البصريات الوراثي  Optogenetics. فما هو؟ وكيف يُمكّننا من استكشاف سر تعقيد الدماغ ومعرفة وظائف خلاياه العصبية المختلفة؟ وهل سيساهم هذا العلم في علاج الاضطرابات النفسية والعصبية لدى الإنسان؟

يُمكن وصف دماغ الثدييات بأنه نظام مُعقد مُكون من عشرات المليارات من الخلايا العصبية المتشابكة ذات الخصائص المميزة، إضافة إلى تنوع غني من الاتصالات البيوكيميائية التي تجعل من تطوير تقنيات جديدة لدراسة الدماغ أمرًا صعبًا للغاية. وحتى الآن، نفتقر إلى فهمٍ عميقٍ لما يفعله الدماغ حقًا. فكيف تؤدي أنشطة محددة داخل خلايا دماغية معينة في النهاية إلى ظهور الأفكار، والمشاعر، والذكريات. وبالتبعية، نحن أيضًا لا نعرف كيف يُترجم الاختلال الوظيفي لبعض الخلايا العصبية إلى اضطرابات نفسية مُحددة كالاكتئاب، أو الفصام. أما من المنظور العلاجي، فتشمل التقنيات المُستخدمة حتى الآن: المنبهات الكهربائية، كالأقطاب الكهربائية التي تُحفز في النهاية جميع الدوائر في الدماغ دون التمييز بين أنواع الخلايا المختلفة. علاوة على ذلك، فإن الأدوية المُستخدمة حاليًا لا تستطيع استهداف أنواع معينة من الخلايا العصبية؛ فهي أبطأ بكثير من سرعة التشغيل الطبيعية للدماغ. وبالتالي، كان علماء الأعصاب يفتقرون إلى طريقة للتحكم محليًا في نوع واحد من خلايا الدماغ بينما تُترك أنواع الخلايا الأخرى دون أي تغيير.

قبل 50 عامًا، اكتشف العلماء أن بعض الكائنات الحية الدقيقة تُنتج بروتينات تُنظّم تدفق الشحنة الكهربائية بشكل مباشر عبر أغشية الخلايا استجابة للضوء المرئي. تساعد هذه البروتينات- التي يتم إنتاجها بواسطة مجموعة مميزة من جينات opsin- على استخراج الطاقة والمعلومات من الضوء في بيئات الميكروبات. في عام 1971، تم اكتشاف أحد هذه البروتينات وهو بكتيريورودوبسين والذي يعمل كمضخة أيونية يمكن تنشيطها لفترة وجيزة بفوتونات الضوء الأخضر. في وقت لاحق، تم التعرف على هالورودوبسين في عام 1977، وتشانيلرودوبسين في عام 2002، كأعضاء آخرين من عائلة البروتينات. ومع ذلك، فقد استغرق الأمر أكثر من 30 عامًا، حتى تتحد هذه المجالات معًا في تقنية جديدة تعرف باسم علم البصريات الوراثي، والتي تعتمد على جينات الأوبسين الميكروبية في 2005.

يُعرف علم البصريات الوراثي Optogenetics بأنه مزيج من علم الوراثة وعلم البصريات للتحكم في أحداث محددة داخل خلايا معينة من الأنسجة الحية. ويشمل اكتشاف الجينات وإدخالها في الخلايا التي تمنح الاستجابة للضوء فقط. ويتضمن أيضًا التقنيات المُرتبطة لإيصال الضوء إلى أعماق الكائنات الحية المُعقدة، مثل: الثدييات المتحركة بحرية، وذلك لاستهداف حساسية الضوء للخلايا محل الاهتمام، ولتقييم قراءات أو تأثيرات مُحددة لهذا التحكم البصري. يُمكن للباحثين الآن توصيل الضوء للتحكم الجيني البصري إلى أي منطقة من الدماغ، سواء كانت سطحية أو عميقة، في الثدييات المتحركة بحرية. ولذا لم يُتح علم البصريات الوراثي التحكم الدقيق في خلايا معينة فحسب، بل سمح أيضًا بالتحكم في أحداث مُحددة داخل أنواع الخلايا العصبية المُحددة في أوقات مُحددة في تحكم دقيق بالمللي ثانية على أنماط الخلايا، وبالتالي إمكانية التحكم في بعض الأفعال المختلفة.

في واحدة من أهم التطبيقات لهذا العلم على الثدييات، استطاع العلماء تطوير جهاز ضوئي لاسلكي، خفيف الوزن، وسهل التجميع، ويستطيع العمل على العديد من الفئران التي تعيش مُجتمعة في بيئة معقدة. باستخدام هذا الجهاز، أظهر العلماء أن التنشيط المُتكرر لنوع من الخلايا العصبية يُعرف بالأوكسيتوسين- يُثير سلوكيات اجتماعية وعدوانية مع مرور الوقت؛ مما يؤكد أهمية هذا النوع من الخلايا العصبية في التواصل الاجتماعي، ودور البيئة الاجتماعية في تعديل السلوك العدواني، عن طريق إحداث تغيرات مباشرة على نشاط هذه الخلايا.

تُعطي هذه الدراسة العلمية الأمل في قدرة علم البصريات الوراثي على دراسة سلوك الإنسان وتعديله. ومن ثم، يفتح هذا العلم الباب على مصراعيه لعلاج الاضطرابات النفسية والعصبية لدى الإنسان، والتي كانت وما تزال تحدي كبير لعلماء المخ والأعصاب. فهل يصبح علم البصريات الوراثي علم المستقبل؟  

اقتراح ومراجعة علمية
د/ عائشة مصرلي
جامعة Cambridge
د/ عمر مسعد
شركة Grünenthal
د/ أحمد الطوخي
كلية الطب بجامعة ميرسر
تدقيق ومراجعة لغوية
علا زيادة
جامعة القاهرة