تعيش الكثير من الكائنات الحية الدقيقة- التي يفوق عدد خلاياها خلايا جسم الإنسان نفسه- على امتداد الجهاز الهضمي من الفم وحتى الشرج. وتشتمل هذه الكائنات على البكتيريا، والفيروسات، والأركيا، والفطريات الطبيعية واللازمة لصحة ووظيفة الجهاز الهضمي (حوالي 30 تريليون في جسم الإنسان البالغ) وتُعرف مجتمعةً باسم “الميكروبيوتا". في حين يشير مصطلح “ميكروبيوم" إلى التركيب الجيني للميكروبات الحيوية مجتمعةً. وفي حالة حدوث أي خلل في التوازن الطبيعي "للميكروبيوم"؛ تظهر لنا أعراضًا مماثلة لما يحدث بعد استخدام المضادات الحيوية، مثل: الإسهال، والعدوى الفطرية.
وقد قام المعهد الوطني للصحة بالولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 2007 ببناء مبادرة لفهم دور "الميكروبيوم" في صحة الانسان، وعلاقته بالأمراض المزمنة، مثل: السكري، والسمنة، والزهايمر، وأمراض الجهاز الهضمي. وقد أُطلق على هذه المبادرة اسم "مشروع الميكروبيوم البشري". ينقسم هذا المشروع إلى مرحلتين؛ الأولى: تهتم بمعرفة وتصنيف هذه الكائنات عن طريق تحليل جينات الميكروبات التي تعيش في مناطق مختلفة من الجسم البشريّ، والثانية: تهدف لمعرفة دورها في الحالات الصحية والمرضية، وذلك من خلال تشكيل قاعدة بيانات جينية ضخمة علنية، تعتمد على دراسات جينية كثيرة سابقة.
هناك العديد من السلوكيات التي يقوم بها الإنسان بشكل يومي، والتي قد تضر بميكروبات الأمعاء النافعة؛ فاستخدام المضادات الحيوية بدون استشارة الطبيب قد يؤدي إلى قتل العديد من الميكروبات النافعة. كذلك يمكن أن يؤدي النظام الغذائي الذي يفتقر إلى مجموعة متنوعة من الأطعمة الكاملة إلى فقدان تنوع بكتيريا الأمعاء؛ مما يسبب خللًا في تكوينها الوظيفي، وبالتالي ظهور أعراضٍ جانبيةٍ.
بالطبع، وهذا ما كشفت عنه العديد من الدراسات الحديثة التي أُجريت على الإنسان، وفئران التجارب. وبشكل عام، يكون محتوي الميكروبيوم ثابت في جسم الإنسان، ولكن عند حدوث خلل في هذا التكوين؛ يكون هذا بمثابة إشارة على وجود مرض معين، وبذلك نتمكن من تعيين المرض قبل ظهور أعراضه. وقد استخدم الباحثون تقنيات الوسائط المتعددة، وخوارزميات الذكاء الاصطناعي؛ لتحديد بصمات الميكروبيوم، والتي يمكن استخدامها في تشخيص الأمراض والتنبؤ بها. ومع توصل العلماء إلى فهم كيفية تأثير بكتيريا معينة على الجسم، يعتقد الكثيرون أنهم يستطيعون، وبمنتهى الدقة، تحديد التكوين المناسب من البكتيريا لعلاج بعض الأمراض باستخدام عدد من العلاجات، مثل: زراعة بكتيريا الأمعاء، أو العلاج عن طريق المكملات الغذائية.
قبل عشرين عامًا، كان الميكروبيوم البشري حقلاً ناشئًا، بينما أصبح الآن موضوعًا نشطًا للبحوث التي تدمج العلوم الأساسية والسريرية، وتدرس جدوى العديد من التطبيقات العلاجية. وما تزال هناك العديد من الأسئلة حول آلية عمل الميكروبات، بما في ذلك الأسباب التي تدفع إلى اختلال التوازن في تكوينها أو تباينها بمرور الوقت. وفي النهاية، يظل الهدف الأهم هو ترجمة هذه النتائج إلى تطبيقات إكلينيكية؛ وهو تحد هائل يتطلب تعاونًا وثيقًا بين عدة تخصصات، تتضمن أبحاثًا على حيوانات التجارب، وتقنيات تحليل الجينوم عالية الإنتاجية.