كثيرًا ما تشغلنا فكرة تطوير التعليم وتغيير أنماط الدراسة، وفرص التعلم في بلادنا، والتي تنبع من قناعتنا بأن التعليم هو وسيلة الشعوب للتغيير والتحرُّر. ومع ذلك، فإننا أحيانًا ما نعتمد على نماذج ونظريات وأدوات التعليم الخاصة بالمجتمعات الأخرى، والتي يختلف واقع الحياة الثقافية والاقتصادية والاجتماعية بها عن مجتمعنا العربي؛ وهنا تأتي قيمة إعادة النظر ودراسة النماذج الأقرب لواقعنا العربي، كالتجارب التعليمية للمعلم البرازيلي فريري، والذي يعد من أهم التربويين المؤمنين بأهمية خصوصية الواقع المجتمعي والثقافي في العملية التعليمية.
يرى فريري أن التعلم بالنسبة للإنسان هو أصل تكوينه؛ فالإنسان في سعي دائم وراء اكتمال إنسانيته وبالتالي تعلمه. أي أننا في عملية دائمة لبناء وإعادة بناء معرفتنا بالعالم وسعي دائم للاكتشاف. هذا الفعل المستمر للاكتشاف أو التعلم، هو ما يميزنا كبشر ويجعلنا أكثر إنسانية؛ فنحن كائنات تسعى للفهم، والتحقق، والتطبيق العملي، مما يُثري عملية التعلم. وبما أن التعلم مسعى بشري، فهو أيضًا مسعى اجتماعي، وبالتالي لا يوجد تعلم ذاتي أو كما يقول فريري (1993b) “لا أحد يُعلّم غيره فقط، ولا أحد يُعلّم نفسه بنفسه. يعلم الناس بعضهم بعضًا، بوساطة العالم."
وتسعى فلسفة فريري- وهو من مؤيدي نظرية التعلم الاجتماعي- لفهم الطبيعة الجدلية والاجتماعية للتعليم والتعلم؛ فالتعليم عملية اجتماعية يلزمها وجود معلم إلى جانب التواصل، وتوفر الوقت. كما يُشكّل وعي الفرد اجتماعيًّا، وبالتالي لا تتم عملية تعلم الفرد بمنأى عن المجتمع؛ فهي عملية مشتركة بين المتعلم والمعلم، تتبدل فيها الأدوار بهدف التأمل والتطبيق، ومن ثم تتحقق تشاركية عملية التعليم. ويحدث هذا من خلال تكوين الوعي النقدي باستخدام التفكير الانعكاسي، والحوار، والعمل على أرض الواقع، كأدوات للتعليم. وهي من مكونات نظرية فريري، والتي سوف نكمل الحديث عنها في المقال القادم.