يهتم علم الترانسكريبتوم بدراسة مجمل جزيئات الحمض النووي الريبوزي (RNA) التي يشفر لها الجينوم. هذا بدوره يعطينا فهمًا أدق للمكونات الجزيئية للخلايا والأنسجة، فضلًا عن أهميته في دراسة آلية حدوث كثير من الاضطرابات الخلوية ودورها في ظهور الأمراض المختلفة، وهو ما لا يمكن الكشف عنه في كثير من الأحيان عن طريق قراءة الجينوم.
تعتمد التقنية الأحدث لقراءة مُجمل جزيئات (RNA)، والمعروفة بـ (RNA-Seq) في جوهرها على الجيل الحديث من تقنيات قراءة التتابعات الجينية (NGS) والتي تستطيع قراءة جزيئات من الحمض النووي يتراوح طولها ما بين (٣٠-٤٠٠) حرفًا. وتتميز هذه التقنية عن سابقاتها بالدقة الفائقة في قراءة التتابعات الجينية، والقدرة على الكشف عن محتوى (RNA) بالكامل. كما تمكننا تقنية (RNA-Seq) من دراسة الكائنات التي لا يملك العلماء خريطة مُسْبقة لتتابعاتها الجينية. وهذا هو أبرز ما يميز هذه التقنية.
تعد معرفة محتوى كل خلية منفردة من (RNA) إحدى أهم استخدامات تقنية (RNA-seq)؛ فبينما يتماثل (DNA) لكل خلايا الكائن الحي، فإن محتوى الخلية من (RNA) هو ما يساهم بشكل كبير في تحديد نوع ووظيفة الخلية. لذا فإن إيجاد بصمة (RNA) لكل خلية؛ يساهم بشكل كبير في إعادة تصنيف الخلايا بشكلٍ أفضل. وانطلاقًا من هذه الفكرة، تضافرت العديد من الجهود البحثية لإعادة تصنيف مختلف أنواع الخلايا؛ لعل من أبرزها مشروع أطلس الخلية البشري الذي انطلق عام (٢٠١٧)، حيث يطمح إلى تطبيق تقنية (RNA-seq) على عدد من (٣٠ – ١٠٠) مليون خلية منفردة، فاتحًا المجال لفهم أفضل للتباين الخلوي داخل جسم الإنسان.
ورغم كثرة المزايا، فإن استخدام (RNA-seq) لا يخلو من عدة تحديات، مثل: التكلفة العالية للكشف عن جزيئات (RNA) التي تتواجد بكميات قليلة جدًا في الخلية، وكذلك التحليل الكمي للبيانات الصادرة عن (RNA-seq)؛ والذي تبدأ صعوباته من تخزين وإدارة كميات ضخمة من البيانات، وصولًا إلى صعوبات تتعلق بالطبيعة الخاصة لجزيئات (RNA)، كوجود صور بديلة لنفس الجين وهو ما يعرف بظاهرة الوصل البديل (alternative splicing)، ووجود تتابعات (RNA) مكررة أو متشابهة في مناطق مختلفة من الجينوم، ما يجعل تلك الصعوبات مجالًا خصبًا لتطوير التقنية.