تمتلك الحيوانات القدرة على تمييز أقربائها من بين الغرباء، وتبعًا لذلك تختلف تصرفاتها وردود أفعالها. أما النباتات، فقد كان من الشائع سابقًا عدم قدرتها على تمييز أقربائها. ولكن حديثًا، ظهرت بعض الأدلة المكتشفة التي تؤكد قدرة النباتات على إعادة توزيع كتلتها الحيوية حسب مدى القرابة الجينية لجيرانها من النباتات؛ فمن المثير للاهتمام قدرة النبات على زيادة نمو الساق أو الجذور بشكل غير اعتيادي عندما يكون محاطًا بنباتات من غير الأقرباء (الغرباء: تعني درجة قرابة جينية ضعيفة) مقارنة بالأقرباء. إضافة إلى القدرة على تمييز المواد المتطايرة من النباتات المجاورة المُصابة من آكلي الأعشاب، وبالتبعية تُزيد النباتات -المُستقبلة للمواد المتطايرة- من دفاعتها استعدادًا للهجوم المُحتمل من آكلي الأعشاب.
فقد وُجد سابقًا أن لدى شجيرة الميرمية -على سبيل المثال- القدرة على تمييز المواد المُتطايرة من الشجيرات المجاورة المُتطابقة جينيًّا وذلك بكفاءة عالية؛ فتُعزز من دفاعاتها لأي هجوم مُحتمل. إلا أننا لا نعرف حتى الآن مدى قدرتها على تمييز المواد المُتطايرة المُنبعثة من الشجيرات المُتشابهة جينيًّا أو من الشجيرات المُجاورة من الغرباء. وخلال تجربة حقلية لمدة (3) سنوات، تم تعريض شجيرات الميرمية لمُواد متطايرة من نباتات مجروحة (عن طريق قص الجزء العلوي من الأوراق) من الأقرباء ذوي التشابه الجيني والغرباء، أو الاكتفاء بتعريضها فقط لمُستخلص المواد المتطايرة من هذه النباتات لمدة (24) ساعة. ثم تم بعد ذلك حساب نسبة الإصابة الحشرية لأوراق الميرمية المُعرضة للمواد المتطايرة في كلتا الحالتين.
ونتاجًا لذلك، تفاوتت درجة الضرر الواقع على أفْرُع شجيرات الميرمية نتيجة لهجوم آكلي الأعشاب عليها، وذلك نظرًا لاختلاف القرابة الجينية للنباتات المجاورة لها؛ فقد تضررت بدرجة أقل بعد تعرضها للمواد المتطايرة من النباتات المجروحة من الأقرباء ذوي التشابه الجيني وذلك مقارنة بالنباتات من الغرباء. كذلك تعمل المواد المتطايرة على استحثاث وتنسيق آليات المقاومة الذاتية لدى المجتمع النباتي الذي يتعرض للإصابة بآفة حشرية؛ فالتواصل الفعال بين النباتات له فائدة للمجتمع النباتي ككل لمقاومة آكلي الأعشاب. كما وجدت علاقة وطيدة بين تشابه نوعية المواد المتطايرة ومدى القرابة الجينية للنباتات؛ لكن لم يتم التعرف بعد على نوع المواد المتطايرة الذي يعمل كمستحث لآليات الدفاع عند نباتات الميرمية. كذلك أكدت الدراسة على أن النباتات تتواصل بشكل أكثر فاعلية مع الأقرباء، وأن هذا التواصل يُزيد من مقاومة النبات لهجوم آكلي الأعشاب، وذلك بعد تمييز النباتات بشكل فعّال للإشارات المُنبعثة من الأقرباء عن تلك المُنبعثة من الغرباء.
سلط هذا البحث الضوء على قدرة النبات على تمييز درجة قرابة النباتات المحيطة عن طريق المواد المتطايرة. وذلك بالرغم من حجم العينة المحدود نوعًا ما، والذي يرجع إلى صعوبة إنتاج شجيرات ميرمية متطابقة جينيًّا. إضافة إلى نقل المواد المتطايرة بشكل مصطنع، واقتصار التواصل بين النباتات على الاتجاه الواحد دائمًا من النباتات المجروحة إلى النباتات المُستقبلة.