فيروسات النبات: أصلُها وتطورها وبيئتها، وهل هي فعلًا مضرة؟
٤ ديسمبر ٢٠٢٠

تتكون فيروسات النبات من غلاف بروتيني وحمض نووي مثل باقي الفيروسات. كما تتنوع حيويًا بشكل كبير في تركيب حامضها النووي، وشكل غلافها البروتيني، وطرق انتقالها من نبات لآخر، وقدرتها على إصابة أنواع نباتية مختلفة، وذلك من خلال سلكها لمسارات تطورية معقدة عبر ملايين السنين. تطورت فيروسات النبات بشكل سريع وكبير عن طريق الطفرات، وإعادة ترتيب/ تركيب حامضها النووي؛ حيث يعتقد بأن فيروسات النبات تطورت من فيروسات كانت لا تصيب النباتات سابقًا. كشفت الأبحاث أن معظم أجناس فيروسات النبات لديها جينات أو أجزاء من تسلسل الحامض النووي متشابهة مع مثيلتها من فيروسات مفصليات الأرجل (كالحشرات)، أو فيروسات الفطريات. ولكن، هل تعتبر كل فيروسات النبات مضرة للنبات؟

وعلى عكس الفيروسات الممرضة للإنسان والحيوان، فنادرًا ما تنتقل فيروسات النبات مباشرة من نبات إلى آخر عن طريق التلامس (عن طريق الجذور مثلًا)، ولكنها في الأغلب تنتقل عن طريق الناقل (أي: الكائن الناقل للفيروس كالحشرات، حبوب اللقاح، أو البذور). تُعد الناقلات هي الطريقة الأكثر شيوعًا لنقل الفيروس، وربما الأكثر وبائية، حيث تنقل أكثر من (٧٠٪) من فيروسات النبات المعروفة. وتضمُّ ناقلات الفيروسات النباتية: العناكب، والفطريات، وبعض الأوليات، والنيماتودا، والحشرات. وتُعتبر الحشرات من رتبة (Hemiptera) كالذبابة البيضاء، والمن، ونطاطات الأوراق، ملائمة بشكل خاص لنقل فيروسات النبات، بسبب أجزاء فَمهم الشبيهة بالإبر، والتي يستخدمونها في اختراق ومن ثم امتصاص عصارة الخلايا النباتية، والتي تُسهم في نقل الفيروس إلى داخل الخلايا النباتية. وتنقسم فيروسات النبات إلى متخصصة، أو عامة؛ تملك الفيروسات المتخصصة القدرة على إصابة أنواع محددة من النباتات، على عكس الفيروسات العامة التي لديه القدرة على إصابة عوائل من أنواع نباتية مختلفة. وفي حين تُصنف أغلب فيروسات النبات بأنها متخصصة، فإن فيروس فسيفساء الخيار (cucumber mosaic virus) على سبيل المثال هو فيروس عام له القدرة على إصابة عوائل نباتية من أنواع مختلفة.  

لاحظ الباحثون أن فيروسات النبات تنتشر بين المحاصيل الزراعية أكثر من النباتات غير المُستزرعة، وتُسبب خسائر كبرى. ومن المدهش أن الفيروسات لا تُسبب ضررًا كبيرًا لعوائلها من النباتات غير المستزرعة، بل أحيانًا ما تكون مفيدة في حماية هذه النباتات من الطفيليات البكتيرية؛ مما يؤدي إلى استقرار النظام البيئي (على سبيل المثال: الغابات). وفي النظم البيئية الطبيعية، تُحافظ الفيروسات على التنوع الحيوي بمنع النمو الزائد للنباتات المتماثلة وراثيًا، وبذلك تدعّم قدرة النظام البيئي على تحمُّل التغيرات البيئية.

اقتصرت جهود البحث العلمي على اكتشاف ومقاومة الفيروسات المهددة لصحة النبات والحيوان؛ ولم تعرْ اهتمامًا لبعض فيروسات النبات التي قد تعزز من تأقلم عوائلها مع التغيرات البيئية، أو مقاومة النبات للإصابة بالحشرات أو بعض الأمراض الفطرية. وباختصار، فإن درجة المنفعة أو الضرر التي يسببها الفيروس تعتمد على النبات العائل والأنماط الجينية للفيروس، وعلى نوع وشدة العوامل البيئية، وتفاعل كلٍ من الفيروس والنبات العائل معها. من الممكن في المستقبل أن يتم الكشف عن الأصول البعيدة لجميع مجموعات الفيروسات، والتي تطورت منها فيروسات النبات، وفيروسات الفطريات، وفيروسات مفصليات الأرجل، وكذلك الكشف عن أصولها المشتركة عن طريق تحليلات واسعة النطاق لبيانات تسلسل الجينوم الفيروسي من البيئات والعوائل المختلفة. وقد تسهم هذه التحليلات في فهمٍ ورؤيةٍ أفضل لمدى وسرعة تطور الفيروسات، وفهم الديناميكية الزمانية والمكانية لعدوى فيروسات النبات، وتأثيرها العام على مجتمعات النباتات.

اقتراح ومراجعة علمية
أسماء يوسف
Wageningen لأبحاث النبات
د/ علي الحكيم
جامعة Wageningen
محمد أيوب
معهد لايبنيز لعلم الوراثة النباتية وبحوث المحاصيل النباتية
تدقيق ومراجعة لغوية
علا زيادة
جامعة القاهرة