يعتمد العالم الإسلامي على التقويم الهجري لتحديد المناسبات الدينية، مثل: شهر رمضان، ومناسك الحج، لكنَّ تحديد بداية الأشهر، خاصة شهر رمضان، يظلُّ أحد أبرز التحديات التي تواجه المسلمين. فالقمر يُولد فلكيًا في لحظة الاقتران، عندما يقع بين الأرض والشمس، لكن رؤية الهلال الجديد بالعين المجردة تتأثر بعوامل معقدة، مثل: الموقع الجغرافي، والظروف الجوية، وزاوية إضاءة القمر، مما يؤدي إلى اختلاف الدول في إعلان بداية الشهر.
السؤال: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُساعدنا على تبيان رؤية الهلال؟
تعتمد بعض الدول على الرصد البشري للهلال الذي قد يشوبه الخطأ أحيانًا، بسبب السحب، أو التلوث الضوئي، وغيرهما، كما يلجأ بعضهم إلى طرق الحساب الفلكية التقليدية، والتي تتميز بدقتها العالية إلا أن تبين ميلاد القمر ما يزال يُمثل تحديًا للفلكيين كذلك. هنا يبرز السؤال: في ظل انتشار تقنيات الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة Machine Learning، ألا يمكن أن تساعدنا هذه التقنيات في التنبؤ برؤية الهلال؟
المنهجية: بيانات فلكية وخوارزميات ذكية
لاختبار هذه الفرضية، جمع الباحثون بيانات من 358 محاولةٍ رصد للهلال من 43 دولةً، خلال 13 عامًا، منذ 2009 وحتى 2022، بالاعتماد على سجلات مشروع رصد الهلال العالمي ICOP. شملت البيانات عدة معايير، مثل: عمر القمر، الزمن منذ الاقتران1، وفرق الارتفاع بين الشمس والقمر، وزاوية الإضاءة، والظروف الجوية، والإحداثيات الجغرافية. وبعد تنقية البيانات من القيم الناقصة، أو غير المنضبطة، وتحويل العوامل النوعية، كالسماء الصافية، أو الغائمة، إلى قيم رقمية تفهمها الخوارزميات، استخدم الباحثون 8 خوارزميات مختلفة لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي. حيث خُصّصت نسبة 70% من البيانات المتوفرة لعملية التدريب، بينما خُصصت نسبة 30% المتبقية لاختبار دقة هذه النماذج، وقياس قدرتها على التنبؤ بإمكانية رؤية الهلال. بالإضافة إلى ذلك، تم علاج مشكلة عدم توازن البيانات، وهي مشكلة رقمية تناظر وجود تباين كبير بين القيم، وذلك نظرًا لأن معظم محاولات الرصد لم تنجح. فالإحصاءات تشير إلى أن نسبة الفشل في رصد الهلال بلغت 70% من إجمالي المحاولات، مما استدعى التدخل لضمان عدم انحياز النماذج نحو توقع الفشل فقط.
تفوق الذكاء الاصطناعي على الحسابات البشرية
كشفت الدراسة عن تفوق ملحوظ لخوارزمية الغابة العشوائية Random Forrest في التنبؤ بإمكانية رؤية الهلال، حيث حققت دقة تصل إلى 93%. هذا الأداء المتميز جعلها تتصدر قائمة الخوارزميات المستخدمة في الدراسة، متفوقةً على خوارزمية SVM التي حققت دقة 92%. هذه النتائج تضع هاتين الخوارزميتين في مكانة متقدمة جدًا مقارنةً بالطرق الفلكية التقليدية، التي تعتمد على معادلات ثابتة لا تستطيع التعامل مع تعقيدات الظروف الجوية والعوامل الأخرى المؤثرة على رؤية الهلال.
من خلال تحليل البيانات، تبيَّن أن هناك مجموعة من العوامل كانت الأكثر تأثيرًا على نجاح الرصد؛ في مقدمتها فرق التوقيت بين غروب الشمس والقمر، فكلما زادت الفترة الزمنية بينهما، ارتفعت احتمالية رؤية الهلال. كما لعب ارتفاع القمر فوق الأفق دورًا حاسمًا، حيث يجب أن يتجاوز 5 درجات، وفقًا للعديد من المعايير الفلكية. إضافة إلى ذلك، كان نقاء الغلاف الجوي عاملًا أساسيًا، حيث تؤدي الغيوم، أو انتشار الغبار إلى تقليل فرص رصد الهلال بشكل واضح.
ما يميز خوارزمية الغابة العشوائية هو قدرتها الفائقة على التعامل مع البيانات غير المتوازنة، إذ استطاعت تصنيف الحالات النادرة، مثل: نجاح رؤية الهلال، بدقة عالية. هذه الدقة تقلل بشكل كبير من احتمالية حدوث أخطاء قد تؤدي إلى الاضطراب في تحديد بداية الشهر الهجري، ما يجعل هذه التقنية أداة واعدة لتحسين دقة التنبؤ الفلكي.
ماذا بعد؟
تعطينا هذه النتائج فرصة لتحسين طريقة تحديد بداية الأشهر الهجرية بشكل كبير. فبدلًا من الاعتماد على طرق مختلفة بين الدول، يُمكننا استخدام نموذج مُتفق على جودته، ومعزز بالذكاء الاصطناعي. هذا النموذج يمكنه إذن تقديم تنبؤات دقيقة وفورية بناءً على البيانات الفلكية والجوية، مما قد يساعد على تقليل الاختلافات المتكررة حول الرؤية.
على الهامش: