تقدير علمي لأعداد الوفيات الحقيقية خلال العدوان على غزة مع غياب البنية الرقمية التحتية السليمة
15 فبراير 2025
**هام: هذا المقال مرهون بالفترة من 7 أكتوبر 2023 وحتى 30 يونيو 2024.**

منذ 7 أكتوبر 2023 وحتى إعلان وقف إطلاق النار رسميًّا يوم 19 يناير 2025، شهد قطاع غزة واحدةً من أكثر الحملات العسكريّة دمويّة في تاريخه، مما يُنذر بكارثة إنسانيّة وصحيّة، يصعب تحديد حجمها الحقيقيّ مع غياب التوثيق الدقيق لأعداد الوفيات وأسبابها في القطاع خلال فترة العدوان؛ وذلك لانهيار البنيّة التحتيّة للقطاع، بما فيها نظم الخدمة الصحية المعنية بالتوثيق.

السؤال والمنهجية: هل يمكن استخدام مصادر بيانات متنوعة لتقدير عدد ضحايا العدوان بدقة؟

ونظرًا لأهمية التقييم الدقيق لإجمالي الوفيات في غزة في تقدير حجم الأزمة، وحفظ حقوق الضحايا، وتوفير أدلّة دامغة للهيئات الدوليّة المعنيّة بالتحقيق في جرائم الحرب، تطرّق فريق بحثيّ دوليّ لمصادر  متنوعة للبيانات، من أجل تقييم أعداد الوفيات من الإصابات الرضحيّة traumatic injuries في غزة خلال الفترة الممتدة من 7 أكتوبر 2023 حتى 30 يونيو 2024. اعتمدوا في ذلك على نهجٍ إحصائيّ يُعرف باسم الرصد وإعادة الرصد Capture-recapture، والذي استخدم في سياق نزاعات مسلحة في مناطق أخرى، مثل: كولومبيا، وكوسوفو، والسودان

وعلى ذلك، استندت دراسة منشورة في دورية The Lancet الطبية إلى ثلاث مصادر رئيسة للبيانات، شملت سجلات مشارح المستشفيات التابعة لوزارة الصحّة الفلسطينيّة، إلى جانب نتائج استقصاء إلكترونيّ أجرته الوزارة نفسها، فضلًا عن إحصاء منشورات النعي عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بالفترة ذاتها. وحرص الباحثون على استبعاد الحالات الصادرة عن المستشفيات أو الإعلام، والتي لم تتوافر عنها معلومات أساسيّة، مثل: الاسم بالكامل، أو الرقم التعريفيّ، كما استبعدوا المفقودين؛ بهدف ضمان دقّة أكبر عند الربط بين القوائم، وتجنّب الازدواجيّة في احتساب الضحايا.

تقديرات الدراسة تفوق ما أعلنته وزارة الصحة الفلسطينيّة بحوالي 40٪

وبعد استكمال الربط بين القوائم الثلاث، خلصت الدراسة إلى أنّ العدد التقديريّ للوفيات بسبب الإصابات في تلك الفترة يتراوح بين 50-65 ألفًا، وهو ما يُشير إلى أنّ البيانات الرسميّة الصادرة عن وزارة الصحّة في غزة قد تكون أقلّ من الواقع بفارق يصل إلى نحو 41%. وبحسب المعطيات التي توافرت عن العمر والنوع، فقد تبيّن أنّ النساء، والأطفال، والمسنّين شكّلوا ما يقرب من 59% من ضحايا الإصابات، ممّا يدحض أيّ سرديّة تزعم حصر القصف الإسرائيليّ في فئة المقاتلين فحسب. كما أوضحت الدراسة أنّ معدّل الوفيات السنويّ نتيجة الإصابات الرضحية قد بلغ 39 وفاة تقريبًا لكل ألف نسمة، وهو حوالي 14 ضعف معدّلات الوفاة عالميا في 2022، والتي شهدت امتداد جائحة كوفيد.

وأكّد الباحثون في دراستهم أنّ هذه الحصيلة لا تعكس سوى جانب واحد من المأساة، إذ أنّ الوفيات المرتبطة بعوامل غير مباشرة -على غرار غياب الرعاية الطبيّة الأساسيّة، ونقص الدواء والغذاء وتلوّث المياه- قد ترفع الأرقام الحقيقيّة إلى مستويات أعلى بكثير. ولفتوا النظر إلى أنّ صعوبة الوصول إلى بعض المواقع التي تتعرّض لحصار مشدّد، فضلًا عن توقّف العمل في عدّة مراكز صحيّة تحت وطأة القصف، أو الحصار، يُعرقل جهود التوثيق والرصد الرسميّ.

ماذا بعد؟ 

في ختام الدراسة، دعا الباحثون إلى ضرورة توسيع نطاق التحقيقات الدوليّة في جرائم الحرب المزعومة ضد المدنيّين، وتعزيز آليات المساءلة التي تضمن حماية الأرواح، والبنية التحتيّة الصحيّة. كما حثّوا على تكثيف الجهود الإنسانيّة لمساعدة القطاع، مؤكدين أنّ إعادة بناء النظام الصحيّ، وإعطاء الأولويّة لحماية المدنيّين، هما من أبرز الوسائل للحدّ من الخسائر الفادحة في الأرواح.

اقتراح ومراجعة علمية
د/ أحمد بركات
جامعة ميونيخ التقنية، وكلية الهندسة بجامعة عين شمس
تدقيق ومراجعة لغوية
أحمد صفوت
صحفي حر
د/ دعاء مجاهد
جامعة هارفارد
علا زيادة
جامعة القاهرة