مجهر ضوئي بدقة الأنجستروم
8 January

الحافز: كيف نصوّر الجزيئات الحيوية؟

إن تصوير الجسيمات الحيوية ضوئيًا، ابتداءً من الخلايا وحتى الحمض النووي(1)، له تاريخ طويل، تبرز منه تقنية مهمة، وهي المِجْهَرية الفِلْوَرية أو الاستشعاعية(2) Fluorescence Microscopy. فبسبب قلة تأثيرها على العيّنة، أدت هذه التقنية دورًا أساسيًا في فهم وظائف الكثير من الجزيئات الحيوية، فهي تعتمد على وجود صبغات فِلوَرية Fluorophores ملتصقة بجزيئات معينة بالعينة. وبسبب توهج تلك المواد، يُمكن تحديد مواطن الجزيئات المطلوب تصويرها. ولكن القياسات الضوئية في العموم تتقيد بظاهرة تضع حدًا لقدرتها على تمييز الجزئيات بعضها عن بعضٍ، وهي ما تسمى بظاهرة «حَد الحُيود» diffraction limit: فعندما تصير المسافة بين نقطتين متقاربتين أقل من نحو ٢٥٠ نانومترًا، أي حوالي 1/1000 من ثخانة شعرة الرأس، يُصبح من الصعب التمييز بينهما. إلا أن الباحثين أوجدوا طرقًا للالتفاف حول هذا العائق، ولكن تقف جهودهم قاصرة عن بلوغ تلك المسافات. 

سؤال البحث: هل يمكن التصوير في نطاق ما دون ١٠ نانومترات؟

حاول الباحثون إيجاد الكثير من الآليات الأخرى التي تسمح باستنتاج معلومات حول هذه المسافات الضئيلة، ولكن بطرق «غير مباشرة»، تحُد من فاعليتها، مثل: تطلبها لعدد كبير من الفوتونات (عدد الفوتونات=شدة الضوء) وهو ما يؤدي إلى ما يُعرف باسم «التبييض الضوئي» أي فقدان الصبغة الفلورية لقدرتها على الإشعاع. لذا، قدم الباحثون في هذا البحث وسيلة جديدة، أسموها MINFLUX، مُحْتَجين بأنها تسمح بتبيان هذه المسافات إلى ما دون ١٠ نانومترات، بل ما دون النانومتر الواحد، باستخدام ضوء أضعف، تحت بعض الشروط.

المنهجية: تحديد مركز الجزيء الفلوري

تعتمد الآلية المقترحة، كما فعل غيرها من قبل، على تحديد مركز الجُزيء الفلوري. هنا، قام الباحثون ببناء علاقة دقيقة بين مركز الضوء المسلط على العينة (معلوم) من جهة وبين مركز الجزيء (مجهول) من جهة أخرى. ولكن على نحوٍ مغاير لغيرها، تعتمد هذه العملية على تقليص عدد الفوتونات إلى حده الأدنى، نحو ١٠٠ مرة أقل. إضافة إلى ذلك، فإن اعتمادها على استخدام الضوء دائري الاستقطاب circularly polarised، يحل معضلة رصد الجزئيات غير متساوية التوجه، متجاوزين بذلك معوقات الآليات السابقة، مما يسمح بدقة تصوير أعلى.

النتائج والمآلات: التوصل إلى مسافات نطاق الأنجستروم

تتمثل إحدى الإمكانات المثيرة لحدة التمييز تلك في القدرة على التصوير المباشر لتوزيعات المسافات بين مجموعة من الجزيئات الكبيرة. فإن البِنى البيولوجية لا تعتمد ترتيبًا واحدًا جامدًا وغير متغير. بل إن الجزيئات مرنة، وينبغي أن تصبح هذه المرونة مرئية. بهذا، أصبحت هذه المجموعات الداخلية للجزئيات أكثر وضوحًا بواسطة مينفلاكس، حيث تمكن الباحثون من تصوير المسافة بين جزيئين على أطراف بروتين، يُسمى بالطرف كربوكسيلي C-terminus، وهي ما تبين كونها في نطاق 2-7 أنجستروم (أنجستروم= عُشر النانومتر).

أخيرًا، فإن المجهرية الفلورية تمر الآن بمرحلة انتقالية مهمة: من تقنية تكتفي برسم خرائط للتوزيعات المكانية للجزيئات الحيوية إلى تقنية تكشِف مباشرة عن وظائفها بأقل قدر من التأثير، هذا يضعها في مقدمة التقنيات التي تسعى لتحسين فهمنا عن عالم الأحياء المعقد، وكذلك لتطوير الوسائل الطبية، مثل: تشخيص الخلايا السرطانية.

تعليقات وتوضيحات

  1. الخلية يبلغ قطرها بين ١ و ٣٠ ميكرومترًا، والحمض النووي حوالي ٢,٥ نانومتر، ويتواجد داخل نواة الخلية مجدولًا على شكل لولب.
  2. الاستشعاع (أو الفِلورة) هو توهج ضوئي لمادة معينة، تُسمى بالصبغة الفِلورية، بطول موجي مرئي (أي لون مرئي) عند تعرضها لاستثارة بطول موجي مختلف.
اقتراح ومراجعة علمية
د/ أحمد بركات
جامعة ميونيخ التقنية، وكلية الهندسة بجامعة عين شمس
تدقيق ومراجعة لغوية
د/ أحمد بركات
جامعة ميونيخ التقنية، وكلية الهندسة بجامعة عين شمس
أحمد صفوت
صحفي حر
د/ دعاء مجاهد
جامعة هارفارد
علا زيادة
جامعة القاهرة