تقنية جديدة لدراسة الجزيئات الحيوية بتفاصيل فائقة الدقة
8 January 2025

لطالما كان التصوير الدقيقي مهمًا في العلوم الحيوية، حيث يُمكننا من فهم تكوين الكائنات الحية بدءاً من الأنسجة متعددة الخلايا، مثل: المخ، مروراً بالكائنات أحادية الخلية، مثل: البكتيريا، وحتى مكوناتهم من البروتينات، والحمض النووي. وقد أسهم هذا في إيضاح آليات العديد من الأمراض، وتشخيصها، مثل: السل: والزهايمر، والسرطان.

ومن بين التقنيات البارزة في هذا المجال تقنية المجهرية الفلورية Fluorescence Microscopy، التي مكّنت العلماء من تصوير الجزيئات، وهي تؤدي وظائفها الطبيعية في الأنسجة والخلايا الحية. وتعتمد هذه التقنية على استخدام صبغات فلورية مضيئة ترتبط بجزيئات معينة؛ حيث تُصدر توهجًا بعد إشعاعها بالطاقة الضوئية؛ مما يُيسر تتبع موقع الجزيئات، وتصويرها.

ما مشكلة تقنية المجهرية الفلورية؟

رغم الانتشار الواسع للتقنية، فهي تواجه تحديًا فيزيائي جوهري، يُعرف بـحد الحيود الضوئيّ Diffraction Limit، وهي ظاهرة تجعل من الصعب التمييز بين نقطتين، إذا كانت المسافة بينهما أقل من 250 نانومترٍ تقريبًا، أي ما يعادل واحدًا من الألف من سُمك شعرة الرأس. وعلى مر العقود، حاول الباحثون الالتفاف على هذا القيد باستخدام طرق غير مباشرة. لكن هذه الطرق غالبًا ما تحتاج إلى إضاءة عالية، مما يؤدي إلى ظاهرة التبييض الضوئي Photobleaching، حيث تفقد الصبغات الفلورية قدرتها على التوهج، مما يحد من كفاءتها.

لمواجهة هذه التحديات، قدّم فريق بحثي بقيادة ستيفان هيل الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء لعام 2014 تقنية جديدة أطلقوا عليها اسم MINFLUX. 

كيف تعمل تقنية MINFLUX؟

تعتمد التقنية على قياس موقع الجزيء الفلوري بشكلٍ دقيق جدًا، من خلال ربط مركز الإضاءة المعروف بمركز الجزيء غير المعروف. وباستخدام ضوء دائري الاستقطاب*  Circularly Polarized Light، تمكّن العلماء من تجاوز مشكلات تعيين اتجاه الجزيئات، وهو ما كان يُمثّل عقبة في التقنيات السابقة.

ما مميزات MINFLUX؟

تعتمد هذه التقنية على استغلال كمية أقل من الضوء (حوالي 100 مرة أقل من الطرق التقليدية)، مع تحقيق دقة فائقة تصل إلى أقل من 10 نانومتر، بل وحتى أقل من نانومتر واحد في ظروف معينة. وبذلك يُمكن للتقنية تصوير المسافات بين الجزيئات الحيوية الكبيرة بدقة غير مسبوقة. فعلى سبيل المثال، تمكن الباحثون من قياس المسافة بين طرفين من بروتين معين بدقة بلغت 2-7 أنغستروم، أي ما يُعادل 0.1 نانومتر، مما يُعدّ خطوة كبيرة في فهم مرونة الجزيئات الحيوية، والتي كان من الصعب قياسها من قبل. 

ما تأثير التقنية على مسار البحث العلمي؟

مع هذه التطورات، يُمكن لتقنية MINFLUX أن تُسهم في تحسين فهمنا للعمليات الحيوية الدقيقة، مما يُمهد الطريق لتطبيقات طبية متقدمة، مثل: تطوير علاجات جديدة للأمراض.

الخلاصة

 تُمثّل تقنية MINFLUX خطوة ثورية في عالم المجهرية الفلورية؛ حيث توفر دقة استثنائية مع استخدام أقل للطاقة الضوئية. بفضلها، أصبح بإمكان العلماء دراسة تفاصيل لم تكن مرئية من قبل، مما يُعزز قدرتنا على فهم العالم الحيوي، وتحسين الرعاية الصحيّة.

على الهامش

*الضوء دائري الاستقطاب Circularly Polarised Light هو نوع خاص من الضوء المستقطب، حيث تتغير اهتزازات المجال الكهربائي والمغناطيسي للضوء بشكل دائري -بدلًا من الحركة العشوائية- أثناء انتقاله عبر الفضاء.

اقتراح ومراجعة علمية
د/ أحمد بركات
جامعة ميونيخ التقنية، وكلية الهندسة بجامعة عين شمس
تدقيق ومراجعة لغوية
د/ أحمد بركات
جامعة ميونيخ التقنية، وكلية الهندسة بجامعة عين شمس
أحمد صفوت
صحفي حر
د/ دعاء مجاهد
جامعة هارفارد
علا زيادة
جامعة القاهرة