الماء هو العامل الأهم في إنتاج المحاصيل بالمناطق شبه القاحلة، والتي تُشكّل نحو 15% من أراضي العالم، وتشمل معظم بلدان الوطن العربيّ. ويعتبر الإجهاد المائي أثناء إنبات البذور هو السبب الرئيسي لخسارة المحاصيل في المناطق شبه القاحلة، مما يؤثر على على الأمن الغذائي لحوالي مليار إنسان بهذه المناطق.
ويمكن استخدام المركبات التي تحتفظ بالماء، مثل: البوليمرات فائقة الامتصاص في التربة شبه القاحلة، أو كغطاء للبذور، أو لترسيبها على الجذور قبل الزراعة، من أجل زيادة احتباس الماء. ولكن يتطلب استخدام هذا النهج عمالة كثيرة، وغالبًا ما يؤدي إلى إطلاق مواد بلاستيكيّة صناعيّة في التربة.
وعلى صعيد آخر، يمكن استخدام البكتيريا الجذريّة المُعززة لنمو النبات، مثل: بكتيريا الريزوبيا، لتعزيز صحة النبات في ظروف ندرة المياه؛ وهي أسمدة حيويّة تتفاعل مع جذور النباتات لزيادة توافر العناصر الغذائية، والهرمونات النباتية، وتعزيز استجابة النبات للحرارة والتربة المالحة، والجفاف. وعلى الرغم من ذلك، فإن استخدام البكتيريا الجذرية المعززة لنمو النبات محدود؛ بسبب مقاومتها المنخفضة للجفاف، ومنافسة البقاء مع مجموعة متنوعة من الكائنات الحية الدقيقة الموجودة في بيئة التربة عند إعادة ترطيبها.
لكن بعض البذور مثل: الشيا، والريحان، تنتج بشكل طبيعي الهيدروجيل الذي يعمل على خلق بيئة دقيقة تُعزّز الإنبات، عن طريق الاحتفاظ بالمياه، وتنظيم دخول المغذيات، وتسهيل التفاعلات مع الكائنات الحية الدقيقة المفيدة. وفي دراسة حديثة منشورة في دورية Nature Food، طوّر الباحثون طلاء للبذور من طبقتين مستوحى من تلك الاستراتيجيّة الطبيعيّة.
تُغلّف البذور بطبقة داخلية من الحرير والتريهالوز، تحتوي على بكتيريا الريزوبيا، وطبقة خارجية من البكتين، والكربوكسي ميثيل السليلوز؛ فيحافظ الحرير على الكيانات البيولوجيّة والجزيئات الحيويّة من خلال منع إجهاد الأكسجين، وتقليل ملامسة الماء. والتريهالوز هو جزيء من السكريات الثنائية، قد يعمل كمصدر كربون لبكتيريا الريزوبيا. ويحتوي خليط البكتين وكربوكسي ميثيل السليلوز على العناصر الغذائية. وعند الزراعة، يُشكّل هيدروجيل يمنح خصائص امتصاص فائقة للماء، مع توفر بيئة مناسبة لنمو الريزوبيا. وبينت التجارب أن الغلاف يتآكل خلال 30 يوم في التربة، مما يجعله حل صديق للبيئة، ويفوق أداءه الحلول الكيميائيّة المستخدمة حاليًّا.
وطبقّت التجربة على زراعة الفاصوليا في ظروف الإجهاد المائي في مزرعة تجريبيّة في بن جرير بالمغرب. وقد أدّت تقنية طلاء البذور إلى توصيل البكتيريا الجذريّة بفاعلية إلى الجذور، مما رفع من صحة الجذور، وفقًا لعدة معايير. وبذلك أكدت الدراسة على إن تقنية طلاء البذور لديها القدرة على زيادة إنبات البذور، وتحمل الإجهاد المائي في التربة الرمليّة شبه القاحلة.
تفتح هذه النتائج الباب أمام استخدام تقنيات طلاء البذور بمواد صديقة للبيئة، لتكييف الزراعة مع التغيرات المناخيّة مع تقليل استخدام المواد النادرة، أو الصناعية.