أصبحت وفرة المياه وإدارتها المستدامة تحديًّا قويًّا يواجه العالم وسط حالات الجفاف المتكررة في ظل التغيرات المناخية الملحوظة. هذا بالإضافة إلى التغير الديموغرافي السريع، نتيجة لاندلاع الحروب واستمرارها، مما يؤثر على الموارد المائية. فبينما تعتبر ندرة المياه عاملًا هامًا في الصراعات الأهلية والإقليمية، فإن حدوث الحروب يزيد الضغط على الموارد المائية في الدولة التي يقيم فيها اللاجئون في ظل اندلاع الحروب، وذلك لعدة أسباب، من أهمها: زيادة حصة المياه المخصصة لإنتاج المواد الغذائية وتوصيلها إلى اللاجئين.
وقد كشفت دراسة حديثة منشورة في دورية Nature Communications عن تأثير هجرة اللاجئين على شحّ المياه في البلدان المضيفة؛ حيث ركزت على بصمة المياه الزرقاء المرتبطة بنزوح اللاجئين، والتي تشير إلى المياه السطحية والمياه الجوفية ومياه الصرف الصحي المُستصلحة. وأفادت الدراسة بارتفاع البصمة المائية للاجئين عالميًّا بنسبة 75٪ تقريبًا من عام 2005 إلى عام 2016. وتعتبر البصمة المائية water footprint مؤشرًا بيئيًّا لقياس حجم المياه العذبة المُستخدمة في جميع مراحل سلسلة إنتاج السلع أو الخدمات الاستهلاكية.
أشارت هذه الدراسة إلى وجود اختلافات كبيرة بين البلدان في تأثرهم بالصراعات والحروب؛ فقد تأثّرت لبنان والأردن عن غيرها من الدول بنسبة فارقة. ويرجع ذلك إلى نزوح أكبر عدد من اللاجئين إليها، وذلك في ظل الحروب في سوريا، والعراق، وفلسطين، وأفغانستان؛ حيث عادة ما ينزح اللاجئون إلى المناطق القريبة جغرافيًّا. وتقدِّر الدراسة أن نزوح اللاجئين ربما أسهم بما يصل إلى 24% من نسبة شُح المياه في لبنان، فيما وصلت النسبة في الأردن إلى 75%. بينما أكدت الدراسة أن اللاجئين لا يسهمون بشكل كبير في شُح المياه العام في معظم الدول؛ حيث تُمثّل حصة اللاجئين من الماء نسبة 1/10.
وتتعمّق الدراسة في الآثار الجانبيّة للنزوح وعلاقتها بالمياه، فتُشير إلى زيادة في تدفق حصة الأردن من مياه نهر اليرموك، وذلك نتيجة لهجر زراعة الري في دولة المنبع سوريا جرّاء الحرب. كما اقترحت الدراسة استيراد السلع التي تستهلك حصة كبيرة من المياه، مثل: الأرز؛ لتخفيف الضغط على المياه في الدول المضيفة، مع التأكيد على الحاجة إلى وجود شبكات التجارة المرنة.
تتمثل أهمية هذه الدراسة في فهم التحديّات المُتصلة بإدارة المياه مع زيادة نزوح اللاجئين عالميًّا، إضافة إلى تسليط الضوء على الحلول الممكنة، مثل: شبكات التجارة المرنة، وتحسين كفاءة استخدام المياه، والعودة الآمنة لكل اللاجئين إلى وطنهم، مع أخذ ظروف الدول المضيفة في الاعتبار.