شهد القرن العشرون سجلًا من الحروب التي حصدت العديد من الأرواح حول العالم. كما تسبّبت في معاناة الدول لكثير من الخسائر الاقتصادية والاجتماعية، نتيجة لتدمير البنى التحتية، وتعطيل القوى العاملة، وفقد رأس المال البشري، وضعف المؤسسات الحكومية، وعدم الاستقرار السياسي. ولا تنتهي آثار هذه المعاناة بتوقف الحروب، لكنها تمتد للعديد من السنوات بعد ذلك.
تناولت دراسة منشورة في دورية Economic Modelling كيفية تأثير الصراعات في 109 دولة في مختلف أنحاء العالم، بين عام 1996 وعام 2019 على النمو الاقتصادي، وخطط التنمية المستدامة، وذلك باستخدام البيانات الكمية، والنماذج الرياضية الاقتصادية؛ وذلك لتقييم تأثير الصراعات ذات الأجل القصير والطويل على التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وذلك مع عدد من العوامل، وهي: فاعلية الحكومات، ومعايير النمو الاقتصادي، والتحصيل الدراسي، إضافة لمتوسط عمر الفرد المتوقع.
وأشارت نتائج الدراسة إلى الأثر السلبي للصراعات على كل من النمو الاقتصادي، ومتوسط عمر الفرد، وعدد سنوات التحصيل الدراسي على الأمد القريب والبعيد، مع تفاقم العواقب السلبية مع مرور الوقت. وذلك باستثناء العلاقة بين الزيادة السكانية والنمو الاقتصادي. حيث ارتبطت الزيادة السكانية بانخفاض مستوى النمو الاقتصادي والتحصيل التعليمي مع انتهاء الصراعات، لكن تصبح العلاقة إيجابية على المدى البعيد.
ويعتقد الباحثون أن ذلك قد يرجع لاستهلاك أعداد من المواطنين للموارد المالية دون حدوث زيادة في إنتاجية الفرد مع انتهاء الصراعات، مما يُعطل من الاستثمار في البنى التحتية، ومنها: البنى التعليمية؛ وبذلك يتطلب التعافي من الصراعات وقت أطول في وجود عدد أكبر من المواطنين. لكن مع زيادة القوى العاملة المدربة بعد مرور الوقت، تزداد إنتاجية المجتمع وتتعافى من أضرار الصراعات على نحو أفضل.
وبالنظر للدول حسب مستوى الدخل القومي، وفقًا لتصنيف البنك الدولى، تبين أن الصراعات تؤثر سلبًا على الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط أكثر من الدول ذات الدخل المرتفع. كما أوضحت الدراسة ارتباط فاعلية نظام الحكم بانخفاض الأضرار الاقتصادية وانخفاض متوسط عمر الفرد المتوقع.
وقد انتهت الدراسة إلى أهمية المؤسسات القوية، ومستوى الدخل القومي، للتكيُّف، وإعادة البناء، بعد الصراعات، مما يستدعي حُسن اختيار القائمين على إدارة الحكومات، خاصة بعد انتهاء الصراعات، لضمان بناء مؤسسات قوية لإدارة الدول.
ونظراً لأن الصراعات غالبًا ما يكون لها تأثير غير متساوي على فئات المجتمع، فينبغي تقديم الدعم المحليّ الفوري للفئات الأكثر ضعفًا، مثل: الأقليات، والمشردين، واللاجئين، والمجتمعات المحليّة التي تستضيفهم. وعلى الصعيد الدولي، ينبغي على الدول ذات الدخل المرتفع تقديم الدعم الماليّ والمعرفيّ للدول ذات الدخل المنخفض. وفي المقام الأول، يجب وضع سياسة محليّة، ودوليّة، للتصدى للفساد وزيادة الاستقرار، وإنتاجية المجتمعات، مما يُسهم في منع اندلاع الصراعات.