يفتح هذا البحث آفاقًا جديدةً في مجال الأمراض النادرة، لفهم الوظائف الخلوية، وإيجاد حلول علاجية تعتمد على الفهم الدقيق لما يحدث داخل الخلايا. ومن الأمراض الوراثية النادرة التي لم يسبق اكتشاف علاج لها بعد هو مرض باتن. والمعروف أيضًا باسم داء السيرويد الدهني العصبي. وهي مجموعة من اضطرابات الجهاز العصبي الوراثية تبدأ غالبًا في مرحلة الطفولة.
وتتراوح أعراض مرض باتن بين فقدان الرؤية التدريجي، واضطرابات الحركة، والخرف؛ فقد لا تتحقّق المهارات التنموية، مثل: الوقوف، والمشي، والتحدث، أو يفقدها الطفل تدريجيًّا، إضافة إلى صعوبات التعلم، وضعف التركيز. كما توجد طفرات في جينات CLNs ترتبط بظهور أعراض مرض باتن، لكن ما تزال وظيفة الكثير منها غير مفهومة، وهذا أحد الأسباب المعرقلة لتطوير العلاجات الفعالة للمصابين بهذا المرض.
كان ذلك حتى تمكّن فريق بحثي من معمل الباحث الفلسطيني منذر أبو رميلة الأستاذ المساعد في الهندسة الكيميائية وعلم الوراثة بجامعة ستانفورد - من تحديد وظيفة جين CLN5 الذي تبين أنه يرمز لانزيم مهم طال البحث عنه، ليُطلقوا عليه اسم BMP synthase أو BMPS. ويصنع هذا الإنزيم مادة BMP والتي يعتقد أنها مُنظم مهم لوظيفة الحويصلة الليزوزومية المسئولة عن التخلص من النفايات داخل الخلية. وتضطرب معدلات BMP في الخلايا العصبية في مجموعة متنوعة من الأمراض التنكسية العصبية، مثل: الزهايمر.
وقد نُشرت هذه الدراسة الحديثة في دورية Science، حيث توصّل الفريق لدور الجين بعدما حذفوه من الخلايا العصبية المستخلصة من خلايا جذعية iNeurons، مما أدى لانخفاض في معدلات BMP في الحويصلات الليزوزومية، وتزايد مركبات كيميائية أولية لمادة BMP. كما تبين من البحث أن طفرة مرتبطة بظهور مرض باتن تؤدي إلى ضعف وظيفة انزيم BMPS، مما يشير لأهمية مركب BMP لوظيفة الجهاز العصبي، لنقترب بذلك من فهم آلية ظهور أعراض مرض باتن لدى حاملى طفرات في CLN5.
وبذلك يكشف البحث لأول مرة عن كيفية إنتاج مركب BMP في الخلايا البشرية، ويوضح أول مثال لبروتين ليزوزومي مسئول عن عملية بناء وليس تكسير. ويُمهد هذا الاكتشاف لتطوير علاجات تساعد على تعزيز نشاط انزيم BMPS أو زيادة مستويات مركب BMP، لتُمكّننا من السيطرة على مجموعة من الأمراض التنكسية العصبية.