يعاني قطاع غزة من الحصار الكامل منذ 16 عامًا؛ تعرّض خلالها لثلاث هجمات إسرائيلية كبرى في الأعوام 2008 و2012 و2014 والتي أسفرت عن آلاف القتلى والمصابين. أدى الحصار الإسرائيلي للقطاع إلى إحداث أزمة إنسانية مزمنة، تتمثّل في انعدام الأمن الغذائي، ومحدودية الرعاية الصحية المناسبة، وضعف البنية التحتية، وارتفاع نسبة البطالة، وانتشار الفقر. أما بعد اندلاع أحداث شهر أكتوبر الحالي لعام 2023، فقد اشتدت هذه المعاناة على الفلسطينيين من سكان غزة.
في دراسة منشورة بدورية Global Mental Health عام 2021 حاول الباحثون الفلسطينيون دراسة تأثير الانتهاك المستمر لحقوق الإنسان في قطاع غزة على الصحة النفسية للطلاب الجامعيين، وارتباطها باليأس والقدرة على التكيف. أُجريت الدراسة على 550 طالب جامعي فلسطيني من ثلاث جامعات رئيسية، من سكان غزة ولم يسبق لهم السفر خارج القطاع.
وأظهرت الدراسة معاناة معظم الطلاب من اليأس المتوسط أو الشديد، حيث يمثل الذكور نسبة 60٪. أما اليأس الطفيف، فقد كانت نسبة الإناث 80٪ من إجمالي المصابين به. ويتوافق ذلك مع زيادة نسبة الميول الانتحارية لدى الذكور؛ حيث يرتبط اليأس بزيادة نسبة الميل إلى الانتحار في المجتمعات عامة. ويعتقد الباحثون أن الاختلاف بين الجنسين يعود للضغوط المادية والاجتماعية المتزايدة على الذكور في ظل انخفاض متوسط الدخل، وقلة فرص العمل في غزة المحاصرة، مما يقلل كذلك من فرص الشباب في الزواج. كما وجدت الدراسة علاقة بين زيادة نسبة اليأس بين الطلاب والحصار القائم على غزة. وقد أشارت النتائج إلى وجود علاقة سلبية ضعيفة بين القدرة على التكيف والصحة النفسية. كما تميزت الإناث بقدرة أعلى على التكيف من الذكور.
اقتصرت هذه الدراسة على طلاب الجامعات مما قد يحد من إمكانية تعميم نتائجها على سكان قطاع غزة. ورغم أن الأفراد بعمر الشباب يمثلون حوالي 21.34% من سكان غزة، فمن الضروري أن تهتم البحوث المستقبلية بتناول أثر الحصار المفروض على الأطفال، والمسنين، والأفراد في منتصف العمر، للكشف عن أبعاد المعاناة النفسية وارتباطها بالحصار المستمر لغزة.
تكمن أهمية هذه الدراسة في الكشف عن ضرورة توفير سبل التكيف التي تساعد الأفراد على التأقلم مع الواقع الصادم في ظل الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان، والتأكيد على التنسيق مع المدافعين عن حقوق الإنسان، والجهات السياسية، والصحية في تقديم الدعم الاجتماعي والنفسي، خاصة للذكور في عمر الشباب.