ارتبطت عدم كفاية النوم بمشاكل صحية، كالإرهاق، وصعوبة التركيز، والتي قد تُصاحبها أحيانًا أعراضٌ أكثر خطورة، مثل: البارانويا، والهلوسة، والتي قد تصل الى الموت المبكر. في الثمانينيّات، صمم الباحثون في جامعة شيكاغو عدة تجارب لفحص تأثير قلة النوم في الجرذان؛ بدأت الجرذان المحرومة بشدة من النوم فقط في الموت بعد حوالي (١٥) يومًا في المتوسط. كان من المفترض أن تمكن هذه النجاحات التجريبية العلماء من معرفة العلاقة السببية بين عدم كفاية النوم والموت المُبكّر، والذي قد يفسر لنا: لماذا لا غني عن النوم؟ ومع ذلك لم تكن هناك علامة واضحة أو سبب تشريحيّ لموت الجرذان.
وفي دراسة حديثة، حدد علماء الأعصاب في كلية الطب بجامعة هارفارد وجود علاقة سببية غير متوقعة بين الحرمان من النوم والوفاة المبكرة، عن طريق دراسة ذباب الفاكهة المحروم من النوم. وجد الباحثون أن الموت دائمًا ما يسبقه تراكم جزيئات معروفة باسم الأنواع المؤكسدة التفاعلية ((Reactive oxygen species (ROS) في الأمعاء. وقد نجح العلماء في منع ذباب الفاكهة من النوم، عن طريق تعديل ذباب الفاكهة وراثيًّا، للتعبير عن بروتين حساس للحرارة في عصبونات معينة في الدماغ، معروفة بقمع النوم في درجات الحرارة المرتفعة. وتُنشّط هذه البروتينات الخلايا العصبية، مما يحرم الذباب من النوم. وقد وجد الباحثون أن كل الذباب قد مات بحلول اليوم العشرين؛ بينما عاش الذباب الذي نال قسطًا من الراحة، لمدة (٤٠) يومًا.
لم يجد الباحثون أي علامات تُشير إلى تلف الخلايا في أنسجة المخ أو في أي مكان آخر بين ذباب الفاكهة المُستريح جيدًا، والمحروم من النوم. ومع ذلك، كان هناك تراكمًا هائلاً لـ (ROS) في أحشاء ذباب الفاكهة المحروم من النوم. تكررت التجارب على الجرذان التي بقيت مستيقظة لمدة (٥) أيام. وفي تجربة أخرى، تراكمت (ROS) بمرور الوقت في أمعائها الصغيرة والكبيرة، وليس في أي مكان آخر.
ولمعرفة ما إذا كان (ROS) في الأمعاء يلعب دورًا سببيًا في الموت الناجم عن الحرمان من النوم؛ درس الباحثون ما إذا كان منع تراكم (ROS) يمكن أن يطيل البقاء. ففي الذباب، خففت معالجة مضادات الأكسدة من تأثير تراكم (ROS). بالإضافة إلى ذلك، وُجد أن الذباب الذي تم تعديله للإفراط في إنتاج إنزيمات المضادة للأكسدة في الأمعاء، مُحصن ضد الآثار الضارة للحرمان من النوم.
تقدم لنا هذه الدراسة دليلًا على أن قلة النوم قد تُحدِث تغيّرات قاتلة في الدماغ، والأمعاء أيضًا. ويشير الباحثون إلى أن النوم لا يقتصر على علم الأعصاب فقط. ومع ذلك، يظل لدينا العديد من الأسئلة حول ما إذا كان الحرمان من النوم يُسبب الإفراط في إنتاج (ROS)، أو إذا كان يتعارض مع بعض العمليات التي تتخلص منها، وإذا ما كانت هناك حلقة تغذية مرتدة للمخ لاستشعار هذه التغييرات في القناة الهضمية وتحفيز النوم.