علم الجينوم (Genomics) هو العلم الذي يهتم بدراسة الجينوم (مجمل المادة الوراثية الموجودة بخلايا الكائنات الحية). وقد بدأ بدراسة الجينومات صغيرة الحجم أو دراسة جينات فردية (الجين هو الوحدة الأساسية للوراثة في الكائنات الحية) ثم أدى ظهور الجيل الحديث من تقنية قراءة التتابعات الجينية ((Next Generation Sequencing (NGS) إلى اتساع رقعة علم الجينوم لتشمل دراسة جينومات أكبر حجماً وأكثر عدداً. أحدث ظهور تلك التقنيات ثورة في دراسة التباين الجينومي بين أفراد المجتمع وفهم عوامل وراثية عديدة ذات تأثير في سيناريوهات الصحة والمرض.
يشمل علم الجينوم طرقاً متعددة لقراءة التتابعات الجينية (Genomic Techniques)، مثل تقنيات الجيل الحديث (NGS) وإنتاج بيانات لهذه القراءات (NGS Data)، تليها منهجيات تحليل هذه البيانات (Genomic Analysis) من خلال علم الأحياء الحاسوبي (computational biology) والمعلوماتية الحيوية (Bioinformatics). تتطور هذه العلوم بسرعة مذهلة ما أحدث طفرة في اكتشاف جينات جديدة تتسبب في العديد من الأمراض الوراثية.
في الماضي كان اكتشاف الجينات الجديدة مقتصراً على السمات الظاهرية المندلية (التي تتبع القوانين المُقترحة من قبل العالم غريغور مندل) والتي في الغالب ما تتأثر بجينٍ واحدٍ قوي المفعول مثل مرض الألزهايمر ومرض التليف الكيسي. أما الآن فقد مكننا علم الجينوم من دراسة وفهم وراثة السمات الظاهرية المركبة والأمراض المعقدة (complex diseases, complex traits) وذلك من خلال تصميم أنواع مختلفة من الدراسات منها دراسات الارتباط على نطاق الجينوم (GWAS). المبدأ الأساسي لدراسات الارتباط على نطاق الجينوم هو مقارنة تكرارات الأليل (هو نسخة للجين) عبر جينومات عديدة لأفراد إيجابية وسلبية لسمة ظاهرية معلومة. قد تسفر البيانات الناتجة من هذه المقارنة عن الأليلات الشائعة ذات الصلة بتلك السمة الظاهرية.
اتسع مدى الدراسات الجينومية بأنواعها المختلفة ليشمل التحري عن كل التتابعات الجينية في الجينوم البشري عبر آلاف الأفراد ما سمح للباحثين بتفسير وتحديد ملايين التباينات الجينية بين أفراد المجتمع. ساعد انخفاض تكلفة الـ NGS في رسم صورة أكثر تفصيلاً للتنوع الوراثي البشري عبر الشعوب المختلفة. وكان من المشاريع الناجحة مشروع الألف جينوم (1000 Genomes Project) الذي انطلق بين عامي 2008 و2015 بهدف قراءة التتابعات الجينية لأكثر من 2000 فرد من جميع أنحاء العالم. نتج عن هذا المشروع فهماً أفضل للتنوع الجيني البشري، وأيضاً فهم الجوهر الجيني للأمراض والسمات الشائعة والنادرة، مثل السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية في مجموعات سكانية مختلفة.
مكّن قراءة تتابعات الإكسوم (جزيء الحمض النووي الذي يساهم في إنتاج البروتين) أو الجينوم لآلاف الأفراد المتباعدين وراثياً من تطوير العديد من الخوارزميات للكشف عن تعدد الأشكال أُحادِيّ النيكليوتيدات - التغير في نيكلوتيدة واحدة - (SNPs) وأيضاً الإضافة والحذف الضَئِيل - إضافة أو حذف عدد ضئيل من النيكلوتيدات يقل عن 50 نيكلوتيدة - (indel) في بيانات التتابعات الجينية وتوصيفها كمياً وتوصيف تأثير هذه المتغيرات على السمات الظاهرية والأمراض.
تدون هذه النتائج في قواعد بيانات عديدة منها قاعدة بيانات التوارث المندلي للإنسان (OMIM) وقد تضاعفت دراسات السمات الظاهرية الموروثة بقاعدة بيانات OMIM منذ العام 2007 بفضل نجاح الـ NGS. كان هذا النجاح في مجال علم الوراثة البشرية بشكل عام، ما أدى إلى تقدم مذهل في دراسة الأمراض الوراثية النادرة حيث نشأت نظرية التغير الجيني النادر التي تذكر أن التغيرات الجينية النادرة هي الأكثر ارتباطاً بالأمراض عامةً والأمراض النادرة خاصةً.
كان للـ NGS الفضل في ازدهار الكشف عن التغيرات الجينومية الخاصة بأمراض السرطان - التي يتم ذكرها هنا على سبيل المثال - بشكل غير مسبوق. تناولت العديد من الدراسات المعنية بأمراض السرطان ظاهرة الطفرات الجديدة المعروفة باسم 'de novo mutations' ( ما يعني أن هذه الطفرة ليست موجودة في أي من الأبوين، وتظهر لأول مرة في الفرد نتيجة لخلل جيني مستحدث) وهي من العوامل الرئيسية المحفزة لأمراض السرطان. وقد نشرت دراسات جينومية واسعة النطاق لأمراض السرطان بين البالغين والأطفال. أنشئت قاعدة بيانات قاعدة بيانات كوزميك (COSMIC) لتتضمن أكثر من 25000 دراسة و32000 جينوم للطفرات الجديدة de novo، مما يسلط الضوء على الكم الهائل من البيانات المتاحة بفضل الـ NGS.
وبالرغم من التقدم المبهر في علم الجينوم وتطبيقاته الأخرى المتعددة في مجالات الطب الوقائي والتشخيص والعلاج، فإن ربط علم الوراثة بالفهم الجزيئي لآلية المرض لا يزال يُمثل تحدياً، ويجب بذل المزيد من الجهد لتحديد العلاقة الدقيقة بين النمط الجيني والسمات الظاهرية للصحة والمرض.