أدّى الصراع السياسيّ المُستمر وانتشار فيروس الكورونا COVID-19 إلى خلق حالة من الطوارئ المُرتبطة بالصحة النفسيّة في جميع أنحاء العالم، والتي اصطدمت مع سوء الوضع الإنسانيّ بمناطق الصراعات العسكريّة والحروب، ومنها: الأراضي الفلسطينيّة، وسوريا.
تتَرافُق الحروب دائمًا مع زيادة معدل اضطراب ما بعد الصدمة بين ضحايا النزاعات المُسلحة. وينتُج اضطراب ما بعد الصدمة عندما يعيش الفرد أو يشهد حدثًا يعتقد فيه أن هناك تهديدًا للحياة أو السلامة الجسديّة، والأمان، ويُعاني من الخوف، والرعب، أو العجز. تتميز الأعراض بـإعادة تجربة الصدمة في صورة ذكريات مؤلمة، أو ذكريات عن الماضي، أو أحلام، أو كوابيس متكررة؛ كذلك يتجنب الشخص الأنشطة أو الأماكن المتعلقة بالحدث الصادم، فضلاً عن ضعف الاستجابة كالخَدَر العاطفيّ، مع عدم الاهتمام بالأنشطة الضروريّة، والشعور بالانفصال، والغربة عن الآخرين؛ وكذلك الاستثارة الفسيولوجيّة المزمنة، والتي تؤدي إلى عدة أعراض مثل: الاستجابة المفاجئة المُبالغ فيها، والنوم المضطرب، وصعوبة التركيز أو التذكر، وشعور الفرد بالذنب لنجاته من الحادث أو الصدمة، دون نجاة الآخرين.
وقد كشفت نتائج دراسة حديثة أُجريت لتقييم مستوى اضطراب ما بعد الصدمة، بين (264) من المصابين خلال مسيرة العودة الكبرى السلميّة بقطاع غزة، في فلسطين– عن تعرُّض (95.4٪) من المشاركين من أعراض ما بعد الصدمة الشديدة، والذي يُعد من بين أعلى المستويات المذكورة في الأدبيات المحليّة والدوليّة. وقد أرجَعَ الباحثون هذه النسبة المرتفعة من اضطراب ما بعد الصدمة بين المشاركين في هذه المسيرة إلى تعرُّض مسيرتهم السلميّة إلى إطلاق النار المفاجئ من قوات الاحتلال. إضافة إلى حالة الصدمة المُستمرة التي يعيشها الفلسطينيون خلال الهجمات العسكريّة المُتكررة، والحصار المفروض على قطاع غزة منذ 2006.
كما كشفت نتائج دراسة أُخرى عن معاناة السوريين من تدني الأوضاع الإنسانيّة، والصحيّة، والنفسيّة، وذلك على اختلاف أماكن اللاجئين؛ حيث سجّل اللاجئون منهم في تركيا المُعدل الأعلى في نسبة انتشار اضطراب الاكتئاب الرئيسيّ، بينما كان المُعدل الأعلى في اضطراب ما بعد الصدمة من نصيب النازحين داخل سوريا. وقد تعددت العوامل المرتبطة بزيادة معدل هذه الاضطرابات كالصعوبات المعيشية، وزيادة البطالة، إلى جانب الضغط النفسي المُستمر.
وهنا وجب التنويه أن الصحة النفسية جزء أساسيّ من حياتنا، يحق لكل فرد أن يتمتع بها ويحميها، ولا ينبغي أن يُحرم منها لأي من الأسباب المدنيّة، أو السياسيّة، أو الاجتماعيّة، أو الاقتصاديّة.
وما تزال النزاعات المسلحة والصراعات العسكريّة جاريّة حتى الآن مُتسببة في زيادة معاناة هذا العالم، لنتساءل دومًا: إلى متى تستمر هذه المعاناة؟