تفاقَمَت أزْمة المِياه في العقود الأخيرة جراء التّطوّر التّكنولوجي السّريع الذي صَحِبه انفجار سكّاني غير مسبوق. لذا تكثّفت الأبحاث لإيجاد حلول أكثرَ فعاليّة لتحلية مياه البِحار، أو معالجة مياه الصّرف، فبرزت من ضمنها الوسائل المبنيّة على الأغشِية كَأكثَرها نُضوجًا وأقلّها استِهلاكًا للطاقة. في هذه الحالة، يتمّ دَفع المياه باستخدامِ الضّغط العالي عبرَ الأغشِية التي تَسمَح بِمُرور المياه الصّالحة للشُرب، والّتي تَحجِز الأملاح والمُلَوِّثات، والمسمّاة: أغشِية التَرشيح النّانوي (Nanofiltration membranes) . تَطرُد هذه الأغشية النّانويّة الأملاح عديدة التكافُؤ، بالإضافَة إلى الجُزَيْئات العُضوِيّة بِمُعَدَّل إنتاجي عالٍ، ممّا يُهَيِّئها للاستخدام في تَطبيقات مِثل مُعالَجَة مِياه الصّرْف الصّناعي والصحّي والمياه الجَوفيّة. أحدَث هذِهِ الأَغشِية يُمكِن تَصنيعها من طَبَقَة مَسامِيّة، لِلتَنقِية الفائِقة، تَعلوها طَبَقَة فَعّالة من مادةِ البولي أميد البوليمرية، حيث تَكلِفة تَصنيع هذه الأغشِية تَبقى ضِمن المَعقول.
على الرّغم من الأَداء العالي والقُدرات الميكانيكيّة الجَيِّدة لِهذه المَواد المُرَكّبة، إلا أنّ قابِليّة المِياه للنُفوذِ مِنها ضَعيفة، ممّا يَستَدْعي استِغلال مَساحاتٍ عالية من الغِشاء للتنقية. لِذا، وَجَبَ تَحسين نَفاذيّة هذه الأغشِية من أجْلِ الحُصولِ على معدَّل تنقية أسْرَع، وتَقليل تَكلِفة التَحلية. تُحدِّد طبقة البولي أميد النَشِطة انتِقائيّة ونَفاذيّة الغِشاء، والتي تحدِّد بدورِها قُدرة الغِشاء على طَرْد الجُزَيئات الّذائبة. لِذا، ضَبْط وتَنظيم صِفات هذه الطَبقة يُؤَدّي إلى تَحسين قُدرَة المِياه على النُفوذ دونَ التَضحية بانتقائيّة الغِشاء، فاقترح الباحثون أُسلوباً جَديداً لِصناعَة الأغشِية بالاستِعانة بِجُسَيْمات نانويّة كقوالب لِجَعل طَبَقَة البولي أميد رَقيقة ومُجَعَّدة، بِمَساحةٍ سَطحيّة عالية.
زيادَة المَساحة السَطحيّة يَعني وُجود مساحَة أكبَر لعُبور المِياه دونَ الحاجةِ لزيادةِ المساحَة الفعليّة لِلغشاء. في هذه الحالة، استِخدام نَفْس المادّة يَسمَح بِاستخدام ضَغْط أكثَر انخفاضًا ومساحَة أقَل مَع ضَمان الاحتِفاظ بالخَصائِص الانتِقائيّة لِلغِشاء. في الواقِع، التّكوين الجَديد للغِشاء يوفِّر الأَداء الأَفضَل بالمُقارَنة بِأية أغشِية نانويّة أخرى.
لِتَحضير الأغشِية المُرَكّبة، قامَ العُلَماء بتَغطِية سَطح طَبَقة مَسامِيّة مِن البوليمرات بأنابيبِ الكَرْبُون النّانويّة لِصُنْع سَطحٍ شديد المَساميّة، وأمْلَس في الوَقتِ ذاتِهِ، ممَا يحسِّن من جودَة طَبَقَة البولي أميد التي سَتَعلوه، ومن ثمّ يتِم تَغطية السَطح بِجُسَيْمات نانويّة من الأُطُر المَعدَنيّة العُضْويّة (Metal-Organic Frameworks) . بَعدَ ذلِك تَتِمّ عَمَليّة البَلْمَرة التي تُكَوِّن طبقة البولي أميد فوقَها بسُمكٍ يقدَّر ما بين الـ٨ نانوميتر إلى الـ١٤ نانوميتر، والتي تَتَّخذ شَكْل تضاريس الجُسَيْمات. عِندَها، يَتِم إذابة الجُسَيْمات النّانويّة للحُصول على الغِشاء النِّهائي المُكَوَّن من طَبَقة البولي أميد الشَفّافة والمُجَعّدة فَوق الطَبَقة المَسامِيّة. بعدها يَتِم تَمرير مَحاليل مِلْحِية باستِخدام الضّغط عبر الغِشاء لِتَقييم أَدائِه.
طوَّرَ هذا الأُسلوب الجَديد في تَكوين الغِشاء من قُدراتِه على تَرشيح المِياه، وعلى قُدرَة المِياه بالمُرور من خلالِه. على سَبيل المِثال، تَدَفُّق مَحلول سَلفات الصوديوم (كبريتات الصوديوم) عبرَ الغِشاء تعدّى ١٩٠ ليترًا لِكل مترٍ مربّعٍ في الساعة، وهو أضعاف قُدرَة أغشِية التَنقِية النانويّة الأُخرى، مماّ يَسمَح بالقِيام بالتنقية تَحت ضغطٍ أقلَّ من المُعتاد بثَلاثِ مرّات. أما قُدرته على رَفْض الأملاح فَهي تَختَلِفُ من ملحٍ إلى آخر، من ١٥٪ لكلوريد الصوديوم (مِمّا هو مماثل للأغشية الأُخرى) حتى ٩٧٪ لكبريتات الصوديوم، وهو أعلى من قُدرَةِ ذات الغِشاء دون التكوين المُجعَّد الجَديد. يتميَّز الغِشاء أيضًا بالحِفاظ على قُدراته عند استِخدام تركيزات مُختَلفة من الأَملاح. يُضافُ إلى ذلِك أنَّ استِخدام جُسَيْمات نانويّة بِأَحْجامٍ مُختَلِفة يُمَكِّن الباحثين من تَعديل مُواصَفات الغِشاء من خِلال تَعديل المَساحة السَّطحية للبولي أميد.
إحدى التحدِّيات الّتي تَقِف في مَسار الت الحَقيقي لهذِهِ التكنولوجيا من الناحية العَمَليّة هي تَطوير وَسيلة تَسمح برصّ الجُسَيْمات النانويّة بِطَريقَة فَعّالة. إضافةً إلى ذلك، مازال هنُاك مَجال واسِع لِتَحسين قُدرَة الغِشاء على تَنقية بَعض الأملاح مِثل كلوريد الصوديوم والكالسيوم والمغنيزيوم.