تسبب فيروس كورونا المستجد منذ ظهوره في إصابة قرابة ثلاثة ملايين شخص ومقتل أكثر من مائتي ألف في العالم حتى الآن. وتشمل عائلة كورونا ثلاثة فيروسات: (١) فيروس سارس والذي ظهر في الصين بين عامي ٢٠٠٢ و ٢٠٠٣ ، (٢) انفلونزا الإبل والتي ظهرت في الشرق الأوسط عام ٢٠١٢، (٣) فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) والذي ظهر أيضاً في الصين في أواخر العام الماضي. واجتاح هذا الأخير العالم ووصفته منظمة الصحة الدولية بالجائحة. وفي جهود البحث المتواصلة عن علاج لهذا الفيروس، اكتشف علماء من معهد سكريبس الأمريكي ومن جامعة هونج كونج الصينية أن بعض الأجسام المضادة المفرزة من المصابين بفيروس كورونا القديم (سارس) بإمكانها الاشتباك مع بروتينات فيروس كورونا المستجد. وبالرغم من أن هذا الارتباط أقل قوة، لكنه قد يدلنا على مواضع على سطح البروتين والتي يتشابه فيها الفيروسان بشكل أكبر، مما يساعد العلماء على تطوير لقاح فعال حتى وإن تطور الفيروس إلى نوع جديد.
تحتوي فيروسات كورونا على مستقبلات تغطى سطح الفيروس، وتتكون هذه المستقبلات من بروتينات على شكل أشواك، تسمى بالبروتينات الشوكية، تسمح لها بالالتصاق على سطح خلايا الرئتين. ويشبه فيروس كورونا المستجد بنسبة ٧٧% العضو القديم من عائلة كورونا (سارس) في ترتيب الأحماض الأمينية المكونة لهذا البروتين. رغم أن هذه النسبة لا تعني التطابق في التركيب، لكنها تطرح احتمالًا كبيرًا أن هذا البروتين يحتوي على مواضع متشابهة في كلا الفيروسين ومحفوظة من التحور، والتي قد تشتبك مع نفس الأجسام المضادة. وهذا ما تم اكتشافه مع أحد الأجسام المناعية المضادة والتي تسمى CR3022 المعزولة من مرضى فيروس سارس. فقد تبين من الأبحاث السابقة أن لهذه الأجسام المضادة القدرة على الارتباط بفيروس كورونا. ويوفر هذا فرصة جيدة لدراسة هذا الارتباط والتي تتم عن طريق قياس وتصوير الشكل الفراغي للبروتين المشتبك مع الجسم المضاد ومحاكاة التركيب بشكل دقيق مما يسمح بتحديد أماكن التعرف والاشتباك على سطح البروتين.
على عكس أغلب الابحاث الحالية التي تدرس الشكل الفراغي لفيروس كورونا بمفرده، تكمن أهمية هذا البحث في اكتشاف الشكل الفراغي للفيروس مشتبكاً مع الجسم المضاد (CR3022). ونتيجة ذلك هو تحديد مواضع ثابتة في البروتين محتفظة بنفس تركيبها ولم تتغير بشكل كبير بتحول فيروس كورونا القديم إلى المستجد. ويُعد هذا خطوة مهمة من أجل تطوير لقاح فعال مضاد يوفر مناعة ممتدة المفعول في حال تطور الفيروس مرة أخرى مستقبلاً.
تُحضر الأجسام المضادة والمستقبلات المكونة للبروتينات الشوكية على سطح الفيروس معملياً، ثم تُخلط معاً، وتُجمد ليتم تصوير شكلها الفراغي. ويسمح أيضاً تصوير الشكل الفراغي للفيروس مشتبكاً مع الجسم المضاد بمقارنة درجة تثبيط الأجسام المضادة لفيروسي كورونا القديم والمستجد.
أظهرت نتائج فحص الشكل الفراغي أن نسبة التشابه بين مناطق الارتباط بالجسم المضاد CR3022 على سطح البروتين الشوكي لكلا الفيروسان هي ٨٦% مقارنة بنسبة التشابه بين البروتينات الشوكية الكاملة السابق ذكرها (٧٧%). ويفسر هذا ارتباط نفس الأجسام المضادة بهما وكذلك الاختلاف في قوة ارتباط الأجسام المضادة للفيروس، حيث أظهرت النتائج على الرغم من أن قدرة الأجسام المضادة على الارتباط بجزء من البروتينات الشوكية على سطح فيروس كورونا المستجد، إلا أن قوة هذا الارتباط تعد أضعف ١١٥ مرة من نظيرتها في فيروس كورونا القديم (سارس). ويرجع هذا الفارق في قوة الارتباط لوجود بعض السكريات المتحدة مع أحماض أمينية في فيروس كورونا القديم والتي ترتبط بالأجسام المضادة أيضاً وتعتبر رابطاً إضافياً غير موجود في فيروس كورونا المستجد.
على الرغم من أن هذه النتائج (قوة الارتباط وتحديد الشكل الفراغي) هي نتائج مهمة وتزيد من فهمنا لتركيبة الفيروس وبالتالي كيفية مواجهته، إلا أن هذه التجارب أجريت خارج الأجسام الحية وفي ظروف تختلف عن البيئة الطبيعية لهذه البروتينات. ولذلك فتجربتها في الكائنات الحية قد تعطي نتائج مختلفة. وأظهرت تجارب عديدة من هذا النوع نتائج مخيبة (على سبيل المثال، فيروس الإنفلونزا) خارج الجسم، لكن أثبتت فاعلية قوية عند تجربتها داخل الأجسام الحية. ويُحيي هذا الأمل في أن يُظهر الجسم المضاد CR3022 نتائج إيجابية (وحده أو بالاشتراك مع أجسام مضادة أخرى) داخل الكائنات الحية. ويكتشف هذا البحث أيضاً مواضع في البروتينات الشوكية للفيروس قد تصلح لتطوير لقاح يوفر مناعة ممتدة ضد فيروس كورونا المستجد والفيروسات الشبيهة التي قد تظهر مستقبلاً.